يشهد السوق المالي السعودي تنوعًا في الفرص والخيارات الاستثمارية التي تستهدف فئات متعددة من الشركات والمستثمرين. ويأتي كل من السوق الرئيسي والسوق الموازي (نمو) كأداتين محوريتين ضمن هذا النظام المالي المتكامل، إلا أن لكل منهما طبيعته الخاصة من حيث شروط الإدراج، والسيولة، والمخاطر، والفئات المستهدفة.
فما أبرز الاختلافات الجوهرية بين السوقين؟ وكيف يختار المستثمر السوق الأنسب لأهدافه؟
أولًا: السوق الرئيسي – منصة الكبار والاستقرار المالي
يُعد السوق الرئيسي في السعودية الوجهة الأساسية للشركات الكبرى ذات السجل المالي المتين والخبرة التشغيلية الطويلة. إذ تتطلب هيئة السوق المالية التزامًا عاليًا بمعايير الإفصاح والحوكمة والشفافية، مما يجعل هذا السوق أكثر أمانًا واستقرارًا للمستثمرين المحافظين.
من أبرز متطلبات الإدراج في السوق الرئيسي:
ألا تقل القيمة السوقية للشركة عن 100 مليون ريال.
طرح ما لا يقل عن 30% من إجمالي الأسهم المصدرة للجمهور.
وجود 200 مساهم على الأقل.
الالتزام بإفصاحات مالية صارمة، تشمل التقارير الربع سنوية خلال 30 يومًا والتقارير السنوية خلال 90 يومًا من نهاية الفترة المالية.
هذه المعايير الصارمة تجعل السوق الرئيسي بيئة مثالية للاستثمار طويل الأجل، وللشركات التي تسعى لتعزيز ثقة المساهمين والحفاظ على استقرارها في المدى البعيد.
ثانيًا: السوق الموازي (نمو) – بيئة مرنة لدعم الشركات الواعدة
في المقابل، يمثل السوق الموازي أو ما يُعرف باسم “نمو” منصة مرنة ومفتوحة أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة ذات إمكانات النمو المرتفعة. ويهدف إلى تمكينها من الوصول إلى رأس المال، دون الحاجة إلى استيفاء جميع الشروط المعقدة المفروضة في السوق الرئيسي.
من أهم ملامح هذا السوق:
الحد الأدنى للقيمة السوقية هو 10 ملايين ريال فقط.
يمكن الاكتفاء بطرح 20% من الأسهم أو تحقيق قيمة سوقية لا تقل عن 30 مليون ريال للأسهم المتداولة.
الحد الأدنى للمساهمين يتراوح بين 35 إلى 50 مساهمًا حسب حجم الشركة.
الإفصاح المالي أكثر مرونة، حيث تمنح الشركات 45 يومًا لإصدار التقارير الربع سنوية، و90 يومًا للتقارير السنوية.
حدود التذبذب السعري اليومية تصل إلى 20% مقارنة بـ10% فقط في السوق الرئيسي.
هذه المرونة تمنح الشركات الناشئة فرصة للنمو السريع واكتساب الخبرة السوقية، مع إمكانية الانتقال لاحقًا إلى السوق الرئيسي بعد استيفاء متطلباته.
ثالثًا: التوازن بين السيولة والمخاطر
يختلف السوقان في مستوى السيولة والمخاطر:
السوق الرئيسي يتميز بسيولة عالية ومخاطر منخفضة نظرًا لضخامة الشركات واستقرارها المالي.
السوق الموازي يتمتع بمرونة أكبر وفرص ربح أعلى، لكنه يحمل مخاطر أكبر بسبب طبيعة الشركات الناشئة وحداثة تجاربها في السوق.
وبذلك، يمكن القول إن السوق الرئيسي يمثل الاستثمار الآمن، بينما السوق الموازي يمثل الفرصة المغامِرة ذات العائد المرتفع المحتمل.
رابعًا: انتقال الشركات من السوق الموازي إلى السوق الرئيسي
تسمح هيئة السوق المالية للشركات المدرجة في السوق الموازي بالانتقال إلى السوق الرئيسي عند استيفاء شروط محددة، أبرزها:
مرور عامين على الأقل منذ الإدراج في السوق الموازي.
ألا يقل متوسط القيمة السوقية خلال آخر ستة أشهر عن 200 مليون ريال.
إصدار تقرير من مجلس الإدارة يوضح أسباب الانتقال.
الحصول على موافقة مجلس الإدارة والإفصاح عنها للمستثمرين قبل التنفيذ.
وبعد الموافقة، يتم تعليق التداول مؤقتًا لمدة أقصاها خمسة أيام لإتمام الإجراءات، ثم تبدأ الشركة رحلتها الجديدة في السوق الرئيسي.
خامسًا: أي السوقين يناسبك كمستثمر؟
يعتمد الاختيار بين السوق الرئيسي والموازي على مدى استعدادك لتحمل المخاطر وأهدافك الاستثمارية:
نوع المستثمر السوق الأنسب المزايا الرئيسية
المستثمر المحافظ السوق الرئيسي استقرار مالي، شفافية عالية، مخاطر منخفضة
المستثمر المغامر السوق الموازي فرص نمو سريعة، عوائد مرتفعة محتملة، مرونة في الإدراج
فالمستثمر الذي يفضل الأمان والاستقرار سيجد في السوق الرئيسي بيئة مناسبة، خصوصًا المؤسسات المالية وصناديق التقاعد.
أما من يبحث عن فرص استثمارية جديدة ويرغب في اقتناص مكاسب مستقبلية من الشركات الواعدة، فسيجد ضالته في السوق الموازي رغم ما يحمله من مخاطر إضافية.
خلاصة
إن الفرق بين السوق الموازي والرئيسي في السعودية لا يقتصر على الشروط والإجراءات فحسب، بل يعكس رؤية اقتصادية شاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين المرونة والاستقرار، وتشجيع الشركات الناشئة على النمو، مع الحفاظ على ثقة المستثمرين واستدامة السوق المالي.
وبهذا، يسهم التنوع بين السوقين في دعم رؤية المملكة 2030 الهادفة إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام يواكب التطورات العالمية.